نشرت تحت تصنيف قراءات

من وحي خــاتم

أقرأ رواية خاتم للكاتبة رجاء عالم تتناول صفحاتها الأولى الإنجاب و الرضاعة بتفاصيل اللذة التي تشعر بها الأم التي لا يفارق وليدها جسدها بعد انفصاله عن أعماقها بالالتصاق بها من خلال الرضاعة،

ليلة دخلوا المدينة خافوا أن يلقموه ثدي زين خشية أن تنتقل الحمى لرضيعها محسن ، لكن بكاءه شق صدور الرجال ، حشرجة أقفلت الحناجر فتعذّر على الرجال تبادل عبارات الترحيب ، يبكي سند و لا يُقبِل على ثدي و لا ماء ….

و عن انقباضات الرحم التي نجبر على معايشتها بكامل وعينا ،

تحتها دائرة بياض من إحرام مكرّس للولادات ، في نسيجه ذكرى كل من عبر رَحِم سكينة لدنيا الفناء.

و ثواني آلام ما قبل الولادة التي لا تشبه من ثقل ما تحمله أي ثانية تمر على الإنسان الطبيعي!

مازلت في البداية لا أُميِّز جنس المولود الذي تخفيه الكاتبة لتحقيق أهم أفكار القصة

ما حرّك قلبي من هذا كلّه هو الرغبة في إنجاب صبي بسبب فناء الأولاد في تلك الفترةالتي لم أميّزها كذلكبسبب الحروب ،

ثارت الأم بداخلي أثناء القراءة شوقاً لاحتضان طفل !

أغلقت الكتاب الذي لم أتمكن من تجاوز صفحاته بسهولة،

لبديع استخدام التعابير فيها الصوت و اللون مما أثار حواسي كلها حتى صرخت أمومتي …!

ذهبت لأداء الصلاة و في قلبي أمنيات تنتظر الطيران إلى السماء لتغمرني فيما بعد فيضًا من عند الله الكريم ،

أطلقت دعواتي بإلحاح يرن بلا هوادة حتى ضخّت تلك الدعوات في روحي طمأنينة لم أشعر بها من قبل نحو الإنجاب و مخاوفي المواظبة على إشعال الرعب في نفسي من مشرط العملية القيصرية ،

حتى الآلام التي ولَّت و التي ظننت أنها طويت مع الذكريات،

عادت من سفرها لتذكيري بأن للأمومة ثمن يقتطعها الألم من صحتي و جسدي

إلهي شتت شمل مخاوفي،

و أكرمني بالأمومة مرّة أخرى.

التقاطة من أحد المعارض الفنية في لشبونة
نشرت تحت تصنيف قراءات

قراءة لقصيدة “أريد أن أموت ” للشاعرة: آن سكستون

قصيدة ظاهرها تمنّي الموت !

كتبتها الشاعرة لتتحد مع قارئها في تصوّر ما بعد الرحيل .

للقصيدة أكثر من قراءة ، فإما أن تقرأها كحوار بين الشاعرة و معالجها النفسي ، أو تتلقاها كأي قارئ دوغمائي ، الخيار لك !

بدأت القصيدة بحالة تيه أمام زخم الأفكار ،

و لم تتطرق في بادئ الأمر لمفردة الانتحار و لكنها لمّحت من خلال وصفه بالشبق أو اشتهاء الموت !

و قد اختارت حالة الشبق لتعارض غزيرة الانسان في البقاء ، و ليكون بذلك مرادف الاعتلال النفسي.

ثم انتقلت بعدها لترسم موقفها من الحياة ضمنياً عن طريق ذكرها للأعشاب التي ترمز للتجدّد ، و قطع الأثاث الخشبية التي ترمز للاستقرار .

تنتقل بعدها للتعمق أكثر في فكرة الحياة بذكر نقيضها ، و الانتحار هنا سبب كبقيةالأسباب لذلك يطل علينا النجّار بأدواته المختلفة و لك الاسترسال في تشبيه سعيك لبناء سعادات أيامك دون النظرلما وراء دوافعك .

تكشف آن سكستون رؤيتها للموت الذي اختارتها عندما غابت عنها فطرة البقاء ، و لأن السلوك الانتحاري مختزل في العقول المعتلّة ، فهي تحارب شبح التلاشي بتحديد موعده ؛ أي أنها تواجه حتمية الموت باختيارها .

و تترك بعدها أمور كثيرة يصعب علينا انهاؤها كالحب ، لذلك انتهت القصيدة على هذا النحو :

أمّا الحُب ، مهما كان، فهو بَـــلاء !

‏and the love whatever it was, an infection.

وقد كتبت قصيدتها للإجابة عن سؤال : لماذا تريد قتل نفسك ؟

اخترت هذه الأبيات من قصيدةأريد أن أموت

لأنها تتحدث عن مباغتة الموت الذي يترك وراءناالكثير من الأمور اللامنتهية ، اخترتها لأني أؤمن بأن الأبواب المواربة خطرة و لا بد أن تغلق لكي ينتهي أمرها قبل أن ننتهي و تظل كما هي !

في القصيدة معانٍ أعمق بكثير من سطحية السؤال عن الموت !

نشرت تحت تصنيف قراءات

موقف من كتاب مشاق الأمومة

آخر صفحة توقفت عندها في الكتاب ، كانت إحدى الأمهات تفكر في حال أولادها لو أن الموت خطّفها مبكراً منهم !

هذه ليست دراما هذا إحساس بالمسؤولية تجاه الأبناء ، هذه هي الأمومة الطبيعية ، حب لا ينتهي إلى الأبد … أعرف سيدة توفيت قبل سبع سنوات بعد أن تحولت الكتل الليفية في ثديها الحنون إلى أورام خبيثة ، من ثديها الذي ياما احتقن و أرتعش عطفاً على أبنائها، حتى فتك السرطان اللعين بجسدها الذي استجاب كثيراً لمتطلباتهم … في أيامها الأخيرة بعد أن هزمها السرطان الخبيث، و قبل أن تنام إلى الأبد و تترك بيتها الجميل الذي لم يكن كذلك لولاها ، طلبت من زوجها أن لا تدخل امرأة بعدها في بيتها ، أن لا يحمل رائحة امرأة بعدها، أن لا يمس أحد ترتيباتها …. ماتت رحمها الله ، ورفض الأبناء دخول زوجة الأب للبيت ، ولم يرفضوا زواجه … فاتّهموا بالأنانية ، عقوق والدهم ، قلة التربية ، لم يتفهم أحد موقفهم !
هذا الأمر يُرهق كل أم مخلصة ، عدم قدرتها على مواساتهم -كما كانت تفعل دائماً- لأنها ماتت !
قد يُبدّلها الزوج بأخرى لتستمر حياته ، و لا بديل لها عند أبنائها ، ولن تستمر حياتهم بنفس الروعة بعد وفاتها .

نشرت تحت تصنيف قراءات

قراءة مختصرة جداً لأنشودة المقهى الحزين للكاتبة الأمريكية : كارسن ماكلرز

قصيرة جداً بفصولٍ متعاقبة ،

و أزمنة متغيّرة ،

مكان متهالك ،

امرأة حادّة المزاج و غليظة

ثم يتلألأ المكان ،

و تبعث فيه الروح من جديد ،

فتتزيّن الجمادات ،

و يغدو كل ركن في المكان جميل.

و تصير الآنسة أرق و أكثر تألقاً،

تنجح و قلبها ينبض حبا على نحو غريب و غير متوقّع ،

حبّ نادر و دون حد لذات الآخر ،

دون شروط أو مقاييس ،

حبّ يقلب الحياة حتى تنتهي إلى مأساة ،،،

قراءة ممتعة على الرغم من كآبة الجو العام في القصة .

القصة من ترجمة علي المجنوني

“لم تكن الزينة و الدفءُ و الإضاءة وحدها ما جعل من المقهى ماهو عليه . ثمة سبب أعمق جعل المقهى ثميناً بالنسبة إلى هذه البلدة. وهذا السبب العميق له علاقة بكبرياء معيّن لم يكن معلوماً في تلك الأرجاء حتى هذه اللحظة ، و لفهم هذا الكبرياء الجديد لا بد من تذكر رُخص الحياة الإنسانية”

نشرت تحت تصنيف قراءات

عاشق مولعٌ بالتفاصيل

انتهيت من القراءة و شعرت بالعذاب و أنا أتابع تفاصيل التهام الدجاجة …
” الجلد ينفتح ، يسيل الدهن الذهبي ، الأدوات ترتعش ، و اللحم يقطع إلى أنصاف ثم ينخس و يهرس ليختفي داخل الفتحة الضئيلة للفم و بسرعة مذهلة ، لتختفي الدجاجة داخل الجسم الشره “
كنت فيما مضى و مازلت أتعذّب من الولوج إلى تفاصيل الأمور العادية و حتى تلك غير العادية فأشعر لوهلة بأني أكاد أفقد عقلي ، أو أسقط في هوّة الجنون ، يخفق قلبي بشدّة في كل مرّة أدقق فيها مثلاً في شعري و كيف سيذوب بعد أن أموت …!
أو حين أفكر جدياً بعد قراءة آية تحكي عن أهوال العذاب القادم لا محالة ، فيقفز السؤال بكل جرأة …
لماذا يدمّر الله كل هذا الجمال ليحاسب الناس؟!
ثم أدخل في دوامة التأنيب و الاستغفار كثيراً على مابدر مني دون قصد أثناء قراءة القرآن !
هكذا تعمل آلية عقولنا فالشيطان يكمن في التفاصيل ، و مدخله الأعظم من خلال التفكير بعمق فيما يحيط بنا …!
إنها المعضلة و المصيبة التي تربينا عليها ” الخوف من التفكير و الخيال خصوصاً فيما لا ندركه بحواسنا “.
لذلك وجدت صعوبة في تقبّل بعض التفاصيل في هذه الصفحات القليلة المكتظة بالتفاصيل !